نوع مقاله : علمی - پژوهشی
چکیده
بیان المسئلة والهدف: یُعَدّ الوعی اللغوی الناقد أحد الاتجاهات التربویة المعاصرة التی تزاید الاهتمام بها فی العقود الأخیرة، لِما له من أثر مباشر فی تحسین نوعیة تعلم اللغات. فتعلم اللغة لم یعد مقتصرًا على اکتساب مفردات وتراکیب أو التدرّب على مواقف تواصلیة سطحیة، بل أصبح یرکز على بناء متعلم واعٍ قادر على التحلیل والمناقشة وفهم أبعاد النصوص فی سیاقاتها الثقافیة والاجتماعیة والتاریخیة. ویقترن هذا الوعی بامتلاک المتعلم أدوات تسمح له بالنظر إلى اللغة باعتبارها وسیلة للتفکیر والتعبیر النقدی، ولیس مجرد أداة للتواصل الوظیفی البسیط. فیما یتعلق بتعلیم اللغة العربیة للناطقین بغیرها، ما زال التوجه السائد فی العدید من البرامج التعلیمیة یقوم على أسالیب تقلیدیة ترکز على الحفظ والتلقین، مما یُبقی المتعلم فی دائرة الاستخدام المحدود للغة ویحول دون بلوغه مستویات أعمق من الفهم والتحلیل. هذا الوضع یُبرز الحاجة إلى مداخل تعلیمیة بدیلة تعزز التفکیر النقدی، وتمکّن الطلاب من التفاعل مع النصوص بوصفها جزءًا من ثقافة حیة، لا مجرد تراکیب لغویة. وهنا تبرز المسرحیة بوصفها وسیلة تعلیمیة مبتکرة قادرة على الجمع بین الجانب اللغوی والثقافی والفکری فی آن واحد. والمسرحیة نص حی یجمع بین الحوار والتفاعل والسیاق الثقافی، ویتیح للمتعلم ممارسة اللغة فی بیئة تحاکی الحیاة الواقعیة بما تحمله من مواقف، صراعات، ورؤى متباینة. لذلک، یمکن للمسرحیة أن تُسهم فی تطویر مهارات المحادثة من خلال الحوار التفاعلی، وفی تنمیة الوعی النقدی من خلال تحلیل الشخصیات والأحداث والمضامین. ومن هذا المنطلق، تهدف الدراسة الحالیة إلى الکشف عن أثر استخدام المسرحیة فی تطویر مهارات المحادثة والتفکیر النقدی لدى طلاب اللغة العربیة من الناطقین بغیرها، مع الترکیز على مدى قدرتها على کسر النمطیة السائدة فی التعلیم التقلیدی. وتتمثل الإشکالیة الرئیسة فی التساؤل إلى أی مدى یُمکن لتوظیف نص مسرحی مختار أن یحقق نتائج أفضل من الطرق التقلیدیة فی تحسین الأداء اللغوی والوعی الناقد للطلاب؟ وللإجابة عن هذا السؤال، سعى البحث إلى اختبار أثر التدریس بالمسرحیة فی بیئة تجریبیة، ومقارنة نتائجه بأداء مجموعة تلقت تعلیمًا تقلیدیًا، بغرض استکشاف الفروق ودلالاتها التربویة. وتم اختیار مسرحیة "صاحبة الجلالة" لتوفیق الحکیم نموذجًا تطبیقیًا لما تحمله من ثراء لغوی وثقافی، وهو ما جعلها أداة مناسبة لاختبار الفرضیات البحثیة. فقد أتاح النص المسرحی للطلاب فرصة الدخول فی تجربة تعلیمیة متکاملة جمعت بین القراءة النقدیة، التحلیل الثقافی، والتفاعل اللغوی.
المنهجیّة: اعتمدت الدراسة المنهج المختلط الذی یجمع بین المنهج الوصفی التحلیلی لفهم أبعاد الظاهرة وتفسیرها، والمنهج شبه التجریبی لقیاس أثر البرنامج التعلیمی. شملت العینة 30 طالبًا من السنة الخامسة فی مرحلة البکالوریوس بجامعة طهران للعام الدراسی 2020–2021م، تم اختیارهم بطریقة قصدیة وتقسیمهم إلى مجموعتین: تجریبیة تلقت برنامجًا تعلیمیًا قائمًا على المسرحیة، وضابطة استمرت على النهج التقلیدی. تألف البرنامج من ثلاث مراحل رئیسة: (1) مرحلة تمهیدیة رکزت على تقدیم السیاق الثقافی للمسرحیة وتوضیح أهداف التعلم؛ (2) مرحلة التدریس التفاعلی التی تضمنت تحلیل نصوص مختارة ومناقشة الشخصیات واللغة المستخدمة؛ (3) مرحلة تطبیقیة اعتمدت على تمثیل الأدوار، إعادة صیاغة الحوارات، وتقدیم تحلیلات نقدیة للنص. ولقیاس التطور، استُخدمت اختبارات قبلیة وبعدیة لمهارات المحادثة والوعی النقدی، وحُللت البیانات عبر برنامج SPSS باستخدام الإحصاء الوصفی (المتوسطات والانحرافات المعیاریة) والإحصاء الاستدلالی (اختبار کولموجروف–سمیرنوف، اختبار لیفین، وتحلیل الفروق بین المجموعتین).
المناقشة والتحلیل: أظهرت تجربة التدریس القائم على المسرحیة أن الطلاب لم یکتسبوا معارف لغویة جدیدة فحسب، بل أصبحوا قادرین نوعا ما على توظیفها فی سیاقات واقعیة متنوعة. فعلى مستوى المحادثة، وفرت الحوارات المسرحیة مادة غنیة للتدریب على النطق الصحیح، استخدام التراکیب المناسبة، وتطویر مهارات التفاعل اللفظی وغیر اللفظی. أما على مستوى التفکیر الناقد، فقد ساعدت مناقشة الشخصیات والأحداث على تدریب الطلاب على تقدیم حجج منطقیة، وتبریر مواقفهم، وربط النصوص بسیاقاتها الثقافیة والاجتماعیة، وکشفت المناقشة أیضًا أن المسرحیة أسهمت فی تحفیز الدافعیة لدى الطلاب، إذ شعروا أن التعلم أصبح أقرب إلى تجربة حیة تتسم بالمتعة والتحدی معًا، مما انعکس على مستوى مشارکتهم فی الأنشطة الصفیة. کما بینت النتائج أن هذا النوع من التدریس یساعد على دمج العناصر الثقافیة فی عملیة تعلم اللغة، وهو أمر یفتقر إلیه التعلیم التقلیدی عادة، ومع ذلک، لا یمکن إغفال بعض التحدیات؛ أبرزها صعوبة بعض النصوص المسرحیة على الطلاب ذوی المستویات اللغویة المتوسطة، مما استدعى تکییف النصوص وشرح خلفیاتها الثقافیة. کما أظهرت التجربة الحاجة إلى إعداد المعلمین وتدریبهم على إدارة الأنشطة المسرحیة بطرق تربویة فاعلة، إذ إن غیاب التوجیه قد یحول الأنشطة التمثیلیة إلى مجرد أداء شکلی بعید عن التحلیل النقدی المطلوب، ورغم هذه التحدیات، تؤکد التجربة أن المسرحیة تُمثّل خیارًا واعدًا لتطویر برامج تعلیم العربیة للناطقین بغیرها، لما تحمله من إمکانات تعلیمیة تجمع بین اللغة، الثقافة، والفکر النقدی فی نسق واحد.
الإنجازات: أظهرت الاختبارات أن المجموعة التجریبیة حققت تحسنًا واضحًا مقارنة بالمجموعة الضابطة فی ثلاثة محاور أساسیة، التعبیر النقدی وهی إظهار قدرة أعمق على تحلیل النصوص والمواقف، والتفاعل اللغوی بتحسن ملحوظ فی الطلاقة، واستخدام استراتیجیات تواصل متقدمة، والتفکیر النقدی بتنمیة مهارات الربط بین النصوص وسیاقاتها الثقافیة والاجتماعیة، وتؤکد هذه النتائج أن المسرحیة لیست مجرد وسیلة ترفیهیة، بل أداة تعلیمیة فاعلة قادرة على الارتقاء بمستوى تعلم اللغة العربیة وتطویر وعی المتعلمین النقدی، بما یجعلها خیارًا استراتیجیًا جدیرًا بالتبنی ضمن مناهج تعلیم العربیة للناطقین بغیرها.
کلیدواژهها
موضوعات