نوع مقاله : علمی - پژوهشی
چکیده
مسألة التماسک النصیّ تُعدّ قضیة محوریة فی الدراسات اللسانیة لاسیما الدراسات المهتمة بظاهرة الترابط النصی فی الأعمال الأدبیة ذلک لأنها تعد من المقدمات الجوهریة فی بناء أیّ نصّ وصیاغته. وظاهرة التماسک النصی یدور مفهومها حول الارتباط بین أجزاء النص لیجعله منسجما ومتماسکا. وأشهر الأدوات التی تُوظَّف فی مثل هذه الدراسات للکشف عن الانسجام داخل النص هی: الإحالة بأنواعها والاستبدال والحذف والتضام والتکرار والربط أو الوصل وغیر ذلک، وهذا یعنی أن التماسک النصی خاصیة ضروریة فی کل نص أدبی یؤدی توظیفه إلی تحویل النص إلی سبیکة واحدة متلاحمة الأجزاء. ترید هذه الدراسة من خلال المنهج الوصفی- التحلیلی واعتمادا علی المنهجیة اللسانیة لرقیة حسن ومایکل هالیدای تسلیط الضوء علی عناصر الاتساق فی الدعاء السابع من أدعیة الصحیفة السجادیة لتدرس العلاقات المتشابکة والمترابطة فیه مع تحلیل الإحصائیات وبیان دورها ومساهمتها فی تحقیق التماسک. ومن النتائج التی توصلت إلیها الدراسة التی بین أیدینا هی أن عناصر الاتساق فی هذا الدعاء قد ساهمت بشکل ملحوظ فی ترابط أجزاءه وإیصال السابق بما یلیه من أجزاء النص لیظهر کأنه کله جملة واحدة تفید غرضا واحدا ولو لا هذا الاتساق لتباعدت أجزاءه ولکانت مشتتة متفرقة؛ بالإضافة إلی هذا فإن هذه الأدوات ساهمت تارة فی الإیجاز المرغوب فیه کما فی نماذج الحذف المذکورة وکذلک أدی التضام إلی تلوین الخطاب بألوان مختلفة من البیان لیطرد السأم عن السامع والمتلقی ویجعله یتفاعل مع النصّ نفسیا.تشعبت الدراسات اللسانیة حدیثا مما أدی إلی تطور المقاربات الدراسیة للنص الأدبی بشکل ملفت وواضح، بعد ما کان الترکیز علی الجملة باعتبارها وحدة لسانیة قابلة للتحلیل زمنا طویلا. علما أن لسانیات النص تسعی فی طریق معالجة النصوص وکشف تماسکها عبر البحث فی کیفیة ترابط النص والأجزاء المکونة له وکذلک عبر إبراز العناصر اللغویة التی تساهم فی جعل النص وحدة واحدة قائمة بذاتها متمیزة عن غیرها. فی هذا البحث نتطرق إلی الدعاء السابع من أدعیة الصحیفة السجادیة لندرس خلال ذلک عناصر الانسجام والترابط النصی المتمثلة بالإحالة والاستبدال والحذف و....کذلک العلاقات الدلالیة کالتفضیل بعد الإجمال والسبب والمسبب والاتساق الصوتی وقد ظهر أن کل عنصر من هذه العناصر کان قد لعب دورا هاما فی جمال هذا الدعاء وتماسکه والسبیل إلی ذلک أن الباحث فی کل فقرة یأتی بتمهید ثم بجداول إحصائیة لکل عنصر. وعلی أساس هذه العناصر یناقش أثر هذه العناصر فی إیجاد الإبداع الأدبی محاولا إزاحة الستار من أمام أعین المتلقی کی یفطن بشکل أجلی لموضع الجمال فی هذا الدعاء کما تجلّی من خلال المقاربة اللسانیة أنّ العناصر اللسانیة أدت وظیفة کبیرة فی ترابط أجزاء هذا الدعاء ببعض بحیث إن النص تحول رغم تعدد الجمل الواردة فیه إلی لحمة واحدة وأن هذه العناصر هی التی جلبت الجمال لنص الدعاء لدرجة أننا لو افتقدناها فیه لأصبح مشتتة ومجزأ لا یؤدی غرضه ولم یحصل الإبداع المتوفر فیه حالیا. الدراسة التی بین أیدینا تحاول معالجة الترابط النصی بأشکاله التالیة أولا الاتساق النحوی وهو ترابط العبارات والجمل مع بعض عبر وسائط لغویة کالإحالة والاستبدال والحذف والربط. ثانیا الاتساق المعجمی ویشمل هذا النوع من الاتساق: التضام والتکرار وثالثا العلاقات الدلالیة وهذا القسم یضم کلا من التفصیل بعد الإجمال و موضع الخطاب والسببیة والعموم.تم توظیف کل من آلیة الإحالة والاستبدال والحذف والوصل والاتساق المعجمی فی نص هذا الدعاء من أجل ربط أجزاءه، وفی هذا الصدد ساهمت الإحالة بأنواعها المقامیة والنصیة باتساق فقرات الدعاء وذلک من خلال ترابط النص وإیصال السابق بما یلیه من الکلام. أسفرت عناصر الترابط النصی لا سیما عنصر "موضع الخطاب" بشکل واضح عن تسلسل الأفکار وجعلها تترتب ترتیب المقدمات لحصول النتائج. کان للتکرار لا سیما التکرار المعنوی أثر بلیغ فی تأکید بعض الأغراض مع تحاشی الألفاظ المکررة التی قد تجلب الممل والسأم لدی المتلقی. ساعد التضام بالإضافة إلی اتساق النص فی تلوین الخطاب بألوان مطرزة متعددة تبعث فیه النشاط والحیویة داخل نص الدعاء وتطرد الروتین والإیقاع المکرر. کما أن دراسة الاستبدال فی هذا الدعاء تُظهر أن هذا الأسلوب ساعد المتلقی فی استیعاب النص أکثر وحال دون حیرته فی ربط بعض العناصر ببعض. تمکن الحذف فی هذا الدعاء من الإیجاز وترک فجوة تحتّ المتلقی علی البحث فی النص باستمراریة لسدّ الفراغ واکتشاف ما نقص منه وبذلک فتح المجال للقارئ لیکون أحد الأطراف المشارکة فی إیجاد النص وفهمه. استُخدِمَت العلاقات الدلالیة کالتفصیل بعد الإجمال فی ترابط النص من خلال ذکر الفکرة موجزة تحثّ السامع علی مواصلة الاستماع لیأتی بعد ذلک بالتفصیل کالدلیل علی ما ذکر من کلام فی البدایة مع التأکید لأن الکلام فی مثل هذا الأسلوب یذکر الشیء الواحد مرتین مرة فی داخل الإجمال وأخری فی بطن التفصیل.یشکل الاستبدال ملمحا ذا أهمیة من ملامح هذه الدعاء إذ یلجأ إلیه الإمام علیه السلام فی أکثر من موضع لربط أجزاء الکلام ببعضه. وقد ساهم هذا الأسلوب بشکل جلی فی تماسک النص عبر عدة وسائل: أولا الإیجاز والاقتصاد فی کمیة الألفاظ، حیث نجد أن المتکلم بدل أن یعید مجموعة من الألفاظ یلخصها بتعبیر مقتصر یغنی عن إعادتها کما لاحظنا هذا فی النموذج الأول إذ إن قوله (فیما شکوت) أغنی عن مجموعة من الألفاظ لا یقتضی المقام إلا إیجازها وهذه الألفاظ هی کما جاء فی الرسم البیانی (وقد نزل بی یا رب ما قد تکأذنی ثقله وألم بی ما قد بهظنی حمله....) وکذلک فی النموذج الثانی جاء الاستبدال الاسمی لیحلّ محل مجموعة من التعابیر ومثل هذا الأسلوب یسهل علی القاصّ والناصّ عملیة الربط وطرح الألفاظ حسب المقام وما تتطلبه الحاجة. ثانیا یوجد فی الاستبدال نوع التوکید لأن فی هذه عملیة یوجد عنصران هما: البدل والمبدل منه، والبدل یذکر مرتین مرة فی داخل المبدل منه وتارة أخری فی الاستبدال کما شاهدنا هذا الأمر فی الجداول المذکورة آنفا. ثالثا أن الاستبدال فی هذا الدعاء ساهم فی استمراریة المعنی من خلال إیصال المعنی السابق باللاحق دون تکرار الوحدة اللغویة. ومن أنواع الاستبدال الذی یساهم فی اختزال الکلام وربطه ببعض مع إفادة معنی التأکید دون التکرار استخدام اسم الاشارة کما فی قوله: (فافعل بی ذلک) حیث إنّ (ذلک) سدت مسد (ما منیتُ به) وقوله (ما وقعتُ فیه) ومثل هذا واضح دوره فی الربط وتماسک النص.
موضوعات